فصل: (لولا):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البرهان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.تَنْبِيهٌ:

ذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ فِي سُورَةِ الْحُجُرَاتِ سُؤَالًا وَهُوَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِكَ لَوْ جَاءَنِي زَيْدٌ لَكَسَوْتُهُ وَنَظِيرِهِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْ أَرَادَ الله أن يتخذ ولدا لاصطفى} وَبَيْنَ قَوْلِهِ: لَوْ زَيْدٌ جَاءَنِي لَكَسَوْتُهُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رحمة ربي} وَبَيْنَ قَوْلِهِ: لَوْ أَنَّ زَيْدًا جَاءَنِي لَكَسَوْتُهُ ومنه قوله تعالى: {ولو أنهم صبروا}.
وأجاب بأن القصد في الأول أَنَّ الْفِعْلَيْنِ تَعْلِيقُ أَحَدِهِمَا بِصَاحِبِهِ لَا غَيْرَ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِمَعْنًى زَائِدٍ عَلَى التَّعْلِيقِ السَّاذَجِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنْتُهُ وَهُوَ الْمَعْنَى فِي الْآيَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الْغَرَضَ نَفْيُ أَنْ يَتَّخِذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا وَبَيَانُ تَعَالِيهِ عَنْ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِأَدَاءِ هَذَا الْغَرَضِ إِلَّا تَجْدِيدُ الْفِعْلَيْنِ لِلتَّعَلُّقِ دُونَ أَمْرٍ زَائِدٍ عَلَيْهِ وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَقَدِ انْضَمَّ إِلَى التَّعْلِيقِ بِأَحَدِ مَعْنَيَيْنِ إِمَّا نَفْيُ الشَّكِّ أَوِ الشُّبْهَةِ أَنَّ الْمَذْكُورَ الَّذِي هُوَ زَيْدٌ مَكْسُوٌّ لَا مَحَالَةَ لَوْ وَجَدَ مِنْهُ الْمَجِيءَ وَلَمْ يَمْتَنِعْ وَإِمَّا بَيَانُ أَنَّهُ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ وَقَوْلِهِ تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك} مُحْتَمِلٌ الْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا أَعْنِي أَنَّهُمْ لَا مَحَالَةَ يَمْلِكُونَ وَأَنَّهُمُ الْمَخْصُوصُونَ بِالْإِمْسَاكِ لَوْ مَلَكُوا إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْإِلَهَ الَّذِي هُوَ مَالِكُهَا وَهُوَ اللَّهُ الَّذِي وَسِعَتْ رَحْمَتُهُ كُلَّ شَيْءٍ لَا يُمْسَكُ.
فَإِنْ قُلْتَ: لَوْلَا تَدْخُلُ إِلَّا على فعل وأنتم لَيْسَ بِمَرْفُوعٍ بِالِابْتِدَاءِ وَلَكِنَّ بِـ: (تَمْلِكُ) مُضْمَرًا وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ لَوْ تَمْلِكُونَ وَبَيْنَ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ لِمَكَانِ الْقَصْدِ إِلَى الْفِعْلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ دُونَ الِاسْمِ وَإِنَّمَا يَسُوغُ هَذَا الْفَرْقُ لَوِ ارْتَفَعَ بِالِابْتِدَاءِ.
قُلْتُ: التَّقْدِيرُ وَإِنْ كَانَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ تَمْثِيلًا لَا يُتَكَلَّمُ بِهِ يُنَزَّلُ الِاسْمُ فِي الظَّاهِرِ مَنْزِلَةَ الشَّيْءِ تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ أَهَمُّ بِدَلِيلِ لَوْ ذَاتُ سِوَارٍ لَطَمَتْنِي فِي ظُهُورِ قَصْدِهِمْ إِلَى الِاسْمِ لَكِنَّهُ أَهَمُّ فِيمَا سَاقَهُ الْمَثَلُ لأجله.
وكذا قوله: {وإن أحد من المشركين استجارك} وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ مَرْفُوعًا بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ فِي التقدير.
وَأَمَّا فِي الثَّالِثِ: فَفِيهِ مَا فِي الثَّانِي مَعَ زِيَادَةِ التَّأْكِيدِ الَّذِي تُعْطِيهِ أَنَّ وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ زَيْدًا كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَجِيءَ وَأَنَّهُ بِتَرْكِهِ الْمَجِيءَ قَدْ أَغْفَلَ حَظَّهُ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْفُرُوقَ وَقِسْ عَلَيْهَا نَظَائِرَ التَّرَاكِيبِ فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ فَإِنَّهَا لَا تَخْرُجُ عَنْ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ.
الثَّالِثَةُ: الْأَكْثَرُ فِي جَوَابِهَا الْمُثْبَتِ اللَّامُ الْمَفْتُوحَةُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ هُوَ اللَّازِمُ لِمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ لَوْ قَالَ تَعَالَى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لفسدتا}. فَفِي اللَّامِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ الثَّانِيَةَ لَازِمَةٌ لِلْأُولَى.
وقوله: {لو نشاء لجعلناه حطاما}. ويجوز حذفها: {لو نشاء جعلناه أجاجا}.
الرابعة: يجوز حذف جوابها للعلم وَلِلتَّعْظِيمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً}. وَقَوْلِهِ: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ}، وَهُوَ كَثِيرٌ سَبَقَ فِي بَابِ الْحَذْفِ عَلَى مَا فِيهِ مِنَ الْبَحْثِ وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ} فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَوَابُ لَوْ مَحْذُوفًا وَالتَّقْدِيرُ لَنَفِدَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ وَمَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ وَأَنْ يَكُونَ {مَا نَفِدَتْ} هُوَ الْجَوَابَ مُبَالَغَةً فِي نَفْيِ النَّفَادِ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ نَفْيُ النَّفَادِ لَازِمًا عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامًا وَالْبَحْرِ مِدَادًا كَانَ لُزُومُهُ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِهَا أَوْلَى.
وَقِيلَ: تُقَدَّرُ هِيَ وَجَوَابُهَا ظَاهِرًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ} تَقْدِيرُهُ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ.
وَقَوْلِهِ: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارتاب المبطلون}.
أي ولو يكون وخططت إذن لارتاب.
الْوَجْهُ الثَّانِي: مِنْ أَوْجُهِ (لَوْ) أَنْ تَكُونَ شَرْطِيَّةً وَعَلَامَتُهَا أَنْ يَصْلُحَ مَوْضِعَهَا إِنِ الْمَكْسُورَةُ وَإِنَّمَا أُقِيمَتْ مَقَامَهَا لِأَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَعْنَى الشَّرْطِ وَهِيَ مِثْلُهَا فَيَلِيهَا الْمُسْتَقْبَلُ كقوله تعالى: {ولو أعجبك حسنهن} {ولو نشاء لطمسنا}.
وَإِنْ كَانَ مَاضِيًا لَفْظًا صَرَفَهُ لِلِاسْتِقْبَالِ كَقَوْلِهِ: {ولو كره المشركون} ومنه قوله تعالى: {ولو كنا صادقين}.
وَقَوْلِهِ: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ} {فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا ولو افتدى به}. وَنَظَائِرُهُ.
قَالُوا: وَلَوْلَا أَنَّهَا بِمَعْنَى الشَّرْطِ لَمَا اقْتَضَتْ جَوَابًا لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ جَوَابٍ ظَاهِرٍ أَوْ مُضْمَرٍ وَقَدْ قَالَ الْمُبَرِّدُ فِي الْكَامِلِ إِنَّ تَأْوِيلَهُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ أَنْ يُفْتَدَى بِهِ وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى الْكُفْرِ وَلَا يُقْبَلُ إِنِ افْتَدَى بِهِ.
قَالُوا: وَجَوَابُهَا يَكُونُ مَاضِيًا لَفْظًا كَمَا سَبَقَ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لكم}، وَمَعْنًى وَيَكُونُ بِاللَّامِ غَالِبًا نَحْوُ: {وَلَوْ شَاءَ الله لذهب بسمعهم} وَقَدْ يُحْذَفُ نَحْوُ: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا}.
وَلَا يُحْذَفُ غَالِبًا إِلَّا فِي صِلَةٍ نَحْوُ: {وليخش الذين لو تركوا} الْآيَةَ.
الثَّالِثُ: (لَوِ) الْمَصْدَرِيَّةُ وَعَلَامَتُهَا أَنْ يَصْلُحَ مَوْضِعَهَا أَنِ الْمَفْتُوحَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لو يعمر ألف سنة}.
وَقَوْلُهُ: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يردونكم}.
{وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وأمتعتكم}.
{ود المجرم لو يفتدي}. أَيِ الِافْتِدَاءَ.
وَلَمْ يَذْكُرِ الْجُمْهُورُ مَصْدَرِيَّةَ لَوْ وَتَأَوَّلُوا الْآيَاتِ الشَّرِيفَةَ عَلَى حَذْفِ مَفْعُولِ يَوَدُّ وَحَذْفِ جَوَابِ لَوْ أَيْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ طُولَ الْعُمْرِ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ لِيُسَرَّ بِذَلِكَ.
وَأُشْكِلَ قَوْلُ الْأَوَّلِينَ بِدُخُولِهَا عَلَى أَنَّ الْمَصْدَرِيَّةِ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بينها وبينه}.
وَالْحَرْفُ الْمَصْدَرِيُّ لَا يَدْخُلُ عَلَى مِثْلِهِ!
وَأُجِيبَ: بِأَنَّهَا إِنَّمَا دَخَلَتْ عَلَى فِعْلٍ مَحْذُوفٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ يَوَدُّ لَوْ ثَبَتَ أَنَّ بَيْنَهَا فَانْتَفَتْ مُبَاشَرَةُ الْحَرْفِ الْمَصْدَرِيِّ لِمِثْلِهِ!
وَأَوْرَدَ ابْنُ مَالِكٍ السؤال في: {فلو أن لنا كرة} وَأَجَابَ بِهَذَا وَبِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ تَوْكِيدِ اللفظ بمرادفه نحو {فجاجا سبلا}.
وَفِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ نَظَرٌ أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ دُخُولُ لَوْ عَلَى ثَبَتَ مُقَدَّرًا إِنَّمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُبَرِّدِ وَهُوَ لَا يَرَاهُ فَكَيْفَ يُقَرِّرُهُ فِي الْجَوَابِ!
وَأَمَّا الثَّانِي، فَلَيْسَتْ هُنَا مَصْدَرِيَّةً بَلْ لِلتَّمَنِّي كَمَا سَيَأْتِي وَلَوْ سَلِمَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ ذَلِكَ وَصْلُ لَوْ بِجُمْلَةٍ اسْمِيَّةٍ مُؤَكَّدَةٍ بِـ: (أَنَّ) وَقَدْ نَصَّ ابْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ صِلَتَهَا لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ فِعْلِيَّةً بِمَاضٍ أَوْ مُضَارِعٍ.
قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَأَكْثَرُ وُقُوعِ هَذِهِ بَعْدَ وَدَّ أَوْ يَوَدُّ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُمَا مِنْ مُفْهِمٍ تَمَنٍّ وَبِهَذَا يُعْلَمُ غَلَطُ مَنْ عَدَّهَا حَرْفَ تَمَنٍّ لو صَحَّ ذَلِكَ لَمْ يُجْمَعْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ فِعْلِ تَمَنٍّ كَمَا لَا يُجْمَعُ بَيْنَ لَيْتَ وَفِعْلِ تمن.
الرَّابِعُ: (لَوِ) الَّتِي لِلتَّمَنِّي وَعَلَامَتُهَا أَنْ يَصِحَّ مَوْضِعَهَا لَيْتَ نَحْوُ لَوْ تَأْتِينَا فَتُحَدِّثُنَا كَمَا تَقُولُ لَيْتَكَ تَأْتِينَا فَتَحَدِّثُنَا وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فلو أن لنا كرة}.
وَلِهَذَا نُصِبَ فَيَكُونُ فِي جَوَابِهَا لِأَنَّهَا أَفْهَمَتِ التمني كما انتصب {فأفوز} في جواب ليت: {يا ليتني كنت معهم}.
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ قِسْمًا آخَرَ وَهُوَ التَّعْلِيلُ كَقَوْلِهِ: {ولو على أنفسكم}.

.(لولا):

مركبة عند سيبويه من لو ولا حكاه الصفار والصحيح أنها بسيطة.
ومن التَّرْكِيبِ مَا يُغَيَّرُ وَمِنْهُ مَا لَا يُغَيَّرُ فَمِمَّا لَا يُغَيَّرُ لَوْلَا وَمِمَّا يَتَغَيَّرُ بِالتَّرْكِيبِ حَبَّذَا صَارَتْ لِلْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ وَانْفَصَلَ ذَا عَنْ أَنْ يَكُونَ مُثَنًّى أَوْ مَجْمُوعًا أَوْ مُؤَنَّثًا وَصَارَ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَكَذَلِكَ هَلَّا زَالَ عَنْهَا الِاسْتِفْهَامُ جُمْلَةً.
ثُمَّ هِيَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ:
الْأَوَّلُ: حَرْفُ امْتِنَاعٍ لِوُجُوبٍ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ لِوُجُودٍ بِالدَّالِ.
قِيلَ: وَيَلْزَمُ عَلَى عِبَارَةِ سِيبَوَيْهِ فِي لَوْ أَنْ تَقُولَ حَرْفٌ لِمَا سَيَقَعُ لِانْتِفَاءِ مَا قَبْلَهُ.
وَقَالَ صَاحِبُ رَصْفِ الْمَبَانِي: الصَّحِيحُ أَنَّ تَفْسِيرَهَا بِحَسَبِ الْجُمَلِ الَّتِي تَدْخُلُ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَتِ الْجُمْلَتَانِ بَعْدَهَا مُوجَبَتَيْنِ فَهِيَ حَرْفُ امْتِنَاعٍ لِوُجُوبٍ نَحْوُ لَوْلَا زَيْدٌ لَأَحْسَنْتُ إِلَيْكَ فَالْإِحْسَانُ امْتَنَعَ لِوُجُودِ زَيْدٍ وَإِنْ كَانَتَا مَنْفِيَّتَيْنِ فَحَرْفُ وُجُودٍ لِامْتِنَاعٍ نَحْوُ لَوْلَا عُدْمُ زَيْدٍ لَأَحْسَنْتُ إِلَيْكَ انْتَهَى.
وَيَلْزَمُ فِي خَبَرِهَا الْحَذْفُ وَيُسْتَغْنَى بِجَوَابِهَا عَنِ الْخَبَرِ وَالْأَكْثَرُ فِي جَوَابِهَا الْمُثْبَتِ اللَّامِ نَحْوُ: {لَوْلَا أَنْتُمْ لكنا مؤمنين}، {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بطنه إلى يوم يبعثون}.
وَقَدْ يُحْذَفُ لِلْعِلْمِ بِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حكيم}.
وَقَدْ قِيلَ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ}. لَهَمَّ بِهَا لَكِنَّهُ امْتَنَعَ هَمُّهُ بِهَا لِوُجُودِ رُؤْيَةِ بُرْهَانِ رَبِّهِ فَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ هَمٌّ أَلْبَتَّةَ كَقَوْلِكَ لَوْلَا زَيْدٌ لَأَكْرَمْتُكَ الْمَعْنَى أَنَّ الْإِكْرَامَ مُمْتَنِعٌ لِوُجُودِ زَيْدٍ وَبِهِ يُتَخَلَّصُ مِنَ الْإِشْكَالِ الَّذِي يُورَدُ وَهُوَ كَيْفَ يَلِيقُ بِهِ الْهَمُّ.
وَأَمَّا جَوَابُهَا إِذَا كَانَ مَنْفِيًّا فَجَاءَ الْقُرْآنُ بِالْحَذْفِ نحو: {ما زكى منكم من أحد أبدا}.
وهو يرد قول ابن عصفور أن المنفي بِـ: (مَا) الْأَحْسَنُ بِاللَّامِ.
الثَّانِي: التَّحْضِيضُ فَتَخْتَصُّ بالمضارع نحو: {لولا تستغفرون الله} {لولا ينهاهم الربانيون والأحبار} {لولا أخرتني إلى أجل قريب}.
وَالتَّوْبِيخُ وَالتَّنْدِيمُ فَتَخْتَصُّ بِالْمَاضِي نَحْوُ: {لَوْلَا جَاءُوا عليه بأربعة شهداء}.
{فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا}.
وَفِي كُلٍّ مِنَ الْقِسْمَيْنِ تَخْتَصُّ بِالْفِعْلِ لِأَنَّ التَّحْضِيضَ وَالتَّوْبِيخَ لَا يَرِدَانِ إِلَّا عَلَى الْفِعْلِ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ.
وَقَدْ جَوَّزُوا فِيهَا إِذَا وَقَعَ الْمَاضِي بَعْدَهَا أَنْ يَكُونَ تَحْضِيضًا أَيْضًا وَهُوَ حِينَئِذٍ يَكُونُ قَرِينَةً صَارِفَةً لِلْمَاضِي عَنِ الْمُضِيِّ إِلَى الِاسْتِقْبَالِ فَقَالُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فرقة منهم طائفة} يَجُوزُ بَقَاءُ نَفَرَ عَلَى مَعْنَاهُ فِي الْمُضِيِّ فَيَكُونُ لَوْلَا تَوْبِيخًا وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الِاسْتِقْبَالُ فَيَكُونُ تَحْضِيضًا.
قَالُوا: وَقَدْ تُفْصَلُ مِنَ الْفِعْلِ بِإِذْ وَإِذَا مَعْمُولَيْنِ لَهُ وَبِجُمْلَةٍ شَرْطِيَّةٍ معترضة.
فالأول {ولولا إذ سمعتموه قلتم} {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا}.
وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ نَحْوُ: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين}، الْمَعْنَى: فَهَلَّا تَرْجِعُونَ الرُّوحَ إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَحَالَتُكُمْ أَنَّكُمْ شَاهِدُونَ ذَلِكَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَى الْمُحْتَضَرِ مِنْكُمْ بِعِلْمِنَا أَوْ بالملائكة ولكنكم لا تشاهدون ذلك ولولا الثَّانِيَةُ تَكْرَارٌ لِلْأُولَى.
الثَّالِثُ: لِلِاسْتِفْهَامِ بِمَعْنَى (هَلْ) نحو: {لولا أخرتني إلى أجل قريب} {لولا أنزل عليه ملك}.
قَالَهُ الْهَرَوِيُّ: وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْجُمْهُورُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأُولَى لِلْعَرْضِ وَالثَّانِيَةَ مِثْلُ: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بأربعة شهداء}.
الرَّابِعُ: لِلنَّفْيِ بِمَعْنَى لَمْ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فلولا كانت قرية آمنت} أَيْ لَمْ تَكُنْ {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ من قبلكم} أَيْ فَلَمْ يَكُنْ ذَكَرَهُ ابْنُ فَارِسٍ فِي كِتَابِ فِقْهِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْهَرَوِيُّ فِي الْأَزْهِيَةِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ فَهَلَّا وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهَا فِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ: {فَهَلَّا كَانَتْ قَرْيَةٌ} نَعَمْ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الَّذِي ذَكَرَاهُ مَعْنَى الْمُضِيِّ لِأَنَّ اقْتِرَانَ التَّوْبِيخِ بِالْمَاضِي يُشْعِرُ بِانْتِفَائِهِ.
وَقَالَ ابْنُ الشَّجَرِيِّ هَذَا يُخَالِفُ أَصَحَّ الْإِعْرَابَيْنِ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى بَعْدَ النَّفْيِ يَقْوَى فِيهِ الْبَدَلُ وَيَجُوزُ فِيهِ النَّصْبُ وَلَمْ يَأْتِ فِي الْآيَتَيْنِ إِلَّا النَّصْبُ أَيْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ مُوجَبٌ وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ فِيهِ مَعْنَى النَّفْيِ.
وَجَعَلَ ابْنُ فَارِسٍ مِنْهُ: {لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بسلطان بين} الْمَعْنَى اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً وَلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِ بِسُلْطَانٍ.
وَنَقَلَ ابْنُ بَرَّجَانَ فِي تَفْسِيرِهِ فِي أَوَاخِرِ سُورَةِ هُودٍ عَنِ الْخَلِيلِ أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ لَوْلَا فَهِيَ بِمَعْنَى هَلَّا إِلَّا قَوْلَهُ فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ} لِأَنَّ جَوَابَهَا بِخِلَافِ غَيْرِهَا.
وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا سَبَقَ.